تتقلب في سرير وحدتها .. يتقلب بجوار زوجته
تحاول أن تملأ فراغ فراشها بالكتب والمجلات .. يحاول أن يملأ ما تبقى بينهما على الفراش بابنته
ترسم خيالات واسعة لذراعا تفترشه .. يرسم خيالات لامرأة لا توجد إلا في ذاكرته
تقاوم إحساسها بافتقاده وتحاول إجبار نفسها على النوم .. وهو يقاوم إحساسه بوحدته
تنهض من الفراش تتجول في غرفتها ثم تخرج خارج الغرفة وتظل هكذا حتى تسمع رنين خافت يأتي من
تحت الوسادة .. تجري مسرعة تلتقط الهاتف
- ألو ... لا أستطيع أن
- كيف حالك ِ؟
ألم تنامي بعد؟
- لقد كنت على وشك أ.....
- وودت أن أطمئن عليك ِ
تصبحين على خير
ويغلق الخط
هي تلك الكلمات القليلة التي يمنحها إياها كل يوم ولكن لا تُمنح سواها
تعلم جيدا أن لعنة الزوجة الثانية تلاحقها دائما ، وتعلم أيضا أنها لو وافقت على الزواج من ابن عمها ماكانت تسكن الآن بلا ذراع تتوسده ليلا ..
وتعلم أنها لو كانت تمسكت بحقها من زوجها الحالي لأصبحت هي الوحيدة في حياته ولكن لأنها تحبه ضحت بكل حق لها . فحياتها خاوية يدب فيها البرد من كل جانب ، تودد للدفء كي يأتي ولكن محاولاتها كلها تضيع سدى
الأيام متشابهة ، والسنين متشابهة
لا تجد إلا عملها متنفسا لها ولكن في اللحظة التي تعود فيها إلى المنزل ..
يصيبها ضيق النفس ، والصداع ، والآم الظهر ، ...... إلخ . دائما تجلس عند الكرسي بجوار باب الشقة لتنتظر
في أي لحظة أن يُفتح ويدخل هو ليروي ظمأ وحدتها
هي لاتريد شيئا سوى أن تجلسه أمامها وتظل تنظر له حتى آخر عمرها وعمره . لقد كادت أن تنسى ملامحه ..
تظل اللعنة تطاردها أينما ذهبت فتجن فتداوم ترديد التساؤلات على نفسها ولا تجد الإجابة
- كيف يتسنى لزوجته أن تأتنس بوجوده وأنت ِ لا ؟ أو أن تنام جواره وأنت فقط تتوسدين منامته؟ أو أن تعد له طعاما
فيأكل طعامها ولا يتذوق شهد طعامك ؟ أو ينادي عليها بإسمها لا بإسمك أنت؟
ثم تفيق على صوت عقلها
- كفاك ِ صبيانية ولهو أنت من اخترت ِ
الآن يامن أخترت يقع عليك الحكم ..
تقضي يومها تلتهم هواجسها ، وتلتهمها هواجسها فتفنى تحاول النوم كالعادة لاتستطيع .. تنتظر مكالمته الليلية المقتضبة جدا ،
وبعد أن يغلق السماعة دون ردها تفرغ علبة أقراصها المهدئة في جوفها
تتقدم ناحية الراديو، تهدهد المؤشر كي ينضبط على " البرنامج الموسيقي " فلكم هي قليلة هذه الأشياء التي تستطيع السيطرة عليها
يتعالى صوت الموسيقى .. تنساب النغمات الناعمة الصاخبة في أُذنيها .. تبث الهدأة في صدرها .. تتمايل قليلا معها.. وكلما صخبت
تحرك جسدها أكثر .. تبدأ في الدوران ك " المريدين" فاتحة ذراعيها لهواء الغرفة الخاوي .. تلتقط منامته من على الفراش وتظل ترقص
حتى الصباح.