سبق في الحلقة الأولى أن تحالف المسلمين، مع الحكومة الأمريكية لمحاربة الشعب الأفغاني المسلم، يعتبر من موالاة الكافرين التي نهى الله المؤمنين عنها، وأن من والاهم يكون منهم: ((ومن يتولهم منكم فإنه منهم))
ونبين في هذه الحلقة أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وأن الله تعالى هو وليهم، وأن الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم، بعضهم أولياء بعض، وأن المنافقين والمنافقات بعضهم أولياء بعض، وأن هؤلاء هم الذين يوالون الكافرين ويتخذونهم بطانة من دون المؤمنين.
وأن من كان وليا لله ولرسوله وللمؤمنين، هو من حزب الله، وأن حزب الله هو الغالب لأن الله هو وليه وناصره، وإن ابتلي وأوذي في سبيل الله، من قبل أعداء الله.
وآيات الله في كتابه واضحة كل الوضوح في هذه الأمور كلها.
فقد ربط سبحانه بين عباده المؤمنين بالموالاة الدائمة، والسير في صراطه المستقيم، ملازمين طاعته، مجتنبين معصيته، قائمين بأمره في عباده أمرا ونهيا، مستحقين منه رحمته في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم)) [التوبة: 71]
وقال تعالى: ((إن الذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين ءامنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير(72)والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير(73)) [الأنفال]
ونحن نرى اليوم معنى هاتين الآيتين ماثلا أمام أعيننا، فقد امتلأت الأرض بالفتن والفساد، بسبب فقد غالب المسلمين الموالاة التي شرعها الله لهم، وموالاة كثير منهم أعداء الله الكافرين.
فالمؤمنون عندما يحققون الموالاة بينهم ينصرون دين الله، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويهدون الضال، ويقيمون العدل، وينصرون المظلوم، فينالون بذلك رحمة الله، ويقودون الأمم إلى سعادتها في الدنيا والآخرة.
وحينما يفقدون الموالاة بينهم، ويوالون أعداء الله الكافرين، يتعاضدون معهم على تمكين الكفر و تثبيت المنكر، ومحاربة المعروف، وينصرون الظالم، ويخذلون المظلوم، وهاهي الأرض قد امتلأت بشتى أنواع الفساد والمنكر في كل أمور الحياة: العقدية، والعبادية، والأخلاقية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والإعلامية، والعسكرية... وفي الأحداث الظالمة المعاصرة براهين وعبر، وفي فلسطين والشيشان وأفغانستان أمثلة مشهودة.
وقال تعالى: ((المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون)) [التوبة: 67]
وقال تعال: ((ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون(18) إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين(19) الجاثية
لهذا نهى الله تعالى المؤمنين عن موالاة الكافرين، وبين أنه لا يواليهم إلا من فقد الإيمان الصادق، من مرضى القلوب بالنفاق، وجعل مَن والى الكفار منهم وإن ادعى الإيمان، وأنه سيندم على موالاتهم التي ظن أنه سيتقي بها الشرور والمصائب، عندما ينصر الله عباده المؤمنين على أعدائهم، كما قال تعالى:
((ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين(51) فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)) (52)
وبين سبحانه وتعالى أنه غني عمن يوالي أعداءه، ويستبدل بهم غيرهم من أوليائه وأولياء رسوله وعباده المؤمنين، ممن يحبون الله ويحبهم، ويرفعون راية الجهاد في سبيله، لا يخافون إلا الله، وأن هؤلاء هم حزبه المستحقون لنصره، كما قال تعالى:
((ياأيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم(54) إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون(55) ومن يتول الله ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب الله هم الغالبون)) (56) [المائدة]
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: "فيه مسألتان:
الأولى .......هذا يدل على قطع الموالاة شرعا وقد مضى في آل عمران بيان ذلك.
ثم قيل المراد به المنافقون، المعنى يا أيها الذين آمنوا بظاهرهم، وكانوا يوالون المشركين ويخبرونهم بأسرار المسلمين.
وقيل نزلت في أبي لبابة عن عكرمة قال السدي: نزلت في قصة يوم أحد حين خاف المسلمون حتى هَمَّ قوم منهم أن يوالوا اليهود والنصارى.
وقيل نزلت في عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي بن سلول، فتبرأ عبادة رضي الله عنه من موالاة اليهود، وتمسك بها ابن أبي وقال إني أخاف أن تدور الدوائر.
الثانية قوله تعالى ((ومن يتولهم منكم)) أي يعضدهم على المسلمين ((فإنه منهم)) بين تعالى أن حكمه كحكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم ابن أبي. ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع المولاة.
وقد قال تعالى: ((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)) وقال تعالى في آل عمران: ((لا تتخذوا بطانة من دونكم)) وقد مضى القول فيه.
وقيل إن معنى ((بعضهم أولياء بعض)) أي في النصرة ومن يتولهم منكم فإنه منهم شرط وجوابه، أي لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم ووجبت له النار كما وجبت لهم، فصار منهم أي من أصحابهم" [الجامع لأحكام القرآن: (6/216-217)]
وقد نهى الله تعالى المؤمنين أن يتخذوا "بطانة" من غيرهم، لأن غير المؤمنين يجتهدون في حصول ما يفسد حياتهم، فقال تعالى: ((ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)) [آل عمران: 118]
قال ابن كثير رحمه الله:
"يقول تبارك وتعالى ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة، أي يطلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالا، أي يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن وبما يستطيعون من المكر والخديعة، ويودون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم.
وقوله تعالى: ((لا تتخذوا بطانة من دونكم)) أي من غيركم من أهل الأديان. وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يَطَّلعون على داخلة أمره.
وقد روى البخاري 6611 والنسائي 7158 وغيرهما عن أبي سلمة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله" [تفسير القرآن العظيم: (1/399)]
وإذا كان الله تعالى قد نهى المسلمين عن اتخاذ بطانة من دونهم، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بين هذا البيان، وهو أن الأنبياء و الرسل تكتنفهم طائفتان "بطانتان" إحداهما تأمرهم بالخير، والثانية تأمرهم بالشر، ولا سلامة لأحد من بطانة الشر إلا عصمة الله، فما الشأن بغير الرسل عليهم الصلاة والسلام؟ ألا يكون من واجبهم الحذر الشديد من بطانة السوء؟ وهل يوجد أسوأ من بطانتي الكفر الصليبي واليهودي والوثني؟
إن أولى الناس بولاء المؤمنين هم إخوانه المؤمنون، الذين يتحقق بولائهم الولاء لله ولرسوله، كما قال تعالى: ((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون))
ويترتب على هذا لولاء نصرة المؤمنين لإخوانهم المؤمنين على عدو الله وعدوهم، وهو من التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله به، كما قال تعالى: ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)) [المائدة: 2]
وقد حض الرسول صلى الله عليه وسلم، كما حض القرآن على مناصرة المسلم، لأخيه المسلم، ونهى عن خذلانه وإسلامه لعدوه، ونذكر من ذلك الأحاديث الآتية:
منها: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) [البخاري: 2310]
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره التقوى ههنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) [مسلم: 2564]
ومنها حديث أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما، فرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال (تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره) [مسلم: 6552]
وكذلك حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [البخاري: 13]
والخلاصة أن الواجب على المسلمين، أن ينصروا إخوانهم المظلومين المعتدى عليهم في الشعب الأفغاني المسلم، وذلك من الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين.
وأنه يحرم عليهم التحالف مع الحملة الصليبية اليهودية على هذا الشعب، وأن ذلك من الولاء للظالمين المعتدين.
ويجب على المسلمين أن يعتمدوا على الله ويتوكلوا عليه، ولا يركنوا إلى الذين ظلموا، وليعلموا أن قوة أعداء الله المادية لا تغني عنهم من الله شيئا:
((ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين(51) فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)) (52) [المائدة]
وقال تعال: ((ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون(18) إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين(19) الجاثية