TEVEZ مشرف العام
عدد المساهمات : 364 تاريخ الميلاد : 30/09/1991 تاريخ التسجيل : 27/08/2010 العمر : 33 الموقع : قلب كل من يحبني العمل : حاسب
| موضوع: تفسير سورة الاخلاص الإثنين 30 أغسطس 2010 - 8:14 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير (قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد)
أي: الواحد الأحد، الذي لا نظير له، ولا وزير، هكذا يقول ابن كثير ، هل تعلم لله سمياً؟! هل تعلم له نظيراً؟! والله يقول: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف:51].
معنى الآية: لا والله لا استشرتُ في خلق السماوات والأرض، ولا طلبتُ إدلاءهم بأصواتهم، ولا كانوا حضوراً، ولا أعانوني في البناء، ولا رفعوا معي هذا السقف، ولا بسطوا معي هذه الأرض، ولا نصبوا هذه الجبال، بل كانوا في عالم العدم، أخِسَّة، حقراء، ليسوا موجودين كما قال تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الانسان:1-3].
يقول فرعون: أنا خلقتُ الخلق، فأتى الشيطان يضحك على فرعون، فطرق عليه الباب، وفرعون في القيلولة نائم، قال: من؟ قال الشيطان: أما عرفتني؟! قال: ما عرفتُك، قال: تخلقني ولا تعرفني؟! أي إنك تقول: أنك تخلق العالم، أفتخلقني ولا تعرفني؟! لأن فرعون يقول: أنا الذي خلق الناس.
وهذه الدعوة قديمة، فـالنمرود الكذاب المجرم، الذي مرغه إبراهيم في التراب، يقول كذلك. فيأتي جمع من الناس، فيصفقون له في المهرجان، ويقول: أنا خلقتكم. فيقولوا: يعيش يعيش يعيش، فيقول: ورزقتكم، وأميتكم، قالوا: يعيش يعيش يعيش، فأراد إمام التوحيد وشيخ العقيدة إبراهيم أن يدخل عليه حتى يمرغ وجهه في التراب، فدخل عليه، كما يصف الله تلك الحادثة: ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258].
ويقال: أن الفرق بين فرعون والنمرود : أن إبراهيم هو الذي بدأ بالسؤال، أما فرعون فهو الذي بدأ بالسؤال مع موسى.
فكان النمرود أذكى قليلاً، وإلا فهما كما يقول عمر ، قيل لـعُبادَي : أي حماريك أخس، قال: [[هذا ثم هذا ]] فذاك حمار وهذا حمار؛ لكن بعض الحمير أذكى من بعض.
ويقول صاحب (كليلة ودمنة ): جمع الأسد الحيوانات وقال: عندي فكاهة، قالوا: تفضل يا أبا حسل، فأورد الفكاهة، فضحكوا جميعاً إلا الحمار لم يضحك وفي اليوم الثالث ضحك الحمار، فقال له الأسد: ما لك؟ قال: فهمتُ الفكاهة الآن.
الشاهد أن إبراهيم قال: للنمرود قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258] قال: كيف؟ فأخرج النمرود مسجونين، فقتل أحدهما وأطلق الآخر وقال: هذا أحييه أطلقتُه، وهذا أميتُه ذبحتُه، قال إبراهيم: ما دمتَ أنك أستطعت أن تحيي وتميت -والنمرود بالطبع كذاب فهذه ليست إحياء وإماتة- وهي مسألة أخرى، قال: ماهي؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ [البقرة:258] قال الله: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258].
فالله لا وزير له، ولا نديم، ولا شبيه، ولا عديل.
ولذلك فإن الله لا ينام، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً [فاطر:41].
وورد أن موسى عليه السلام، عندما التقى مع الله قال: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143].
ويوم صُعد بالرسول صلى الله عليه وسلم وعرج به قال: يا رب! كيف شرَّفته وقد بُعِثَ بعدي؟! قال ابن تيمية رحمه الله: هذه غيرة محمودة، تنافس في الحق، ليس حسداً.
وفي بعض الآثار أنه قال: يا رب! اجعلني من أمة محمد. كان يريد أن يتفضل بأمته على الأمم، وفي الأخير يقول: اجعلني أنا من أمة محمد. وهذا ثابت. ففي (سنن النسائي ) بسند صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {والذي نفسي بيده، لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي }.
اسمع بعض أسئلة موسى إلى الله عز وجل:
قال: يا رب، أتنام؟ -سبحان الله! لقد التقى بالله يكلمه- قال: يا رب! أتنام؟ قال: يا موسى! لا تنم هذه الليلة، فما نام، فأتت الليلة الثانية، فقال: لا تنم، فلم ينم، فأتت الثالثة، قال: لا تنم، فلم ينم، فلما أتت الرابعة قال: يا موسى، خذ قارورتين واملأهما ماءً، فأخذ قارورتين ووقف وملأهما ماءً، فأخذ ينعس، وكادت القارورتان أن تَصْطدمان، فكان ينتبه، ولما أتى في الثلث الأخير من الليل اصطدمت القارورتان، وتكسرت، فقال الله: يا موسى! لو نمتُ لذهبت السماوات والأرض.
وأنزل الله مصداق ذلك: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فاطر:41] فسبحان الخالق البديع الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت!
اسمع هذه الآية: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الرعد:33] من القائم على كل نفس؟ الله. انظر إلى كل إنسان في الزحام وفي الكثرة وفي الملايين، فالله يحاسبه ويراقبه كأنه ليس مشغولاً إلا به، مع العلم أنه كما قال ابن القيم : يُغْني فقيراً، ويُفقر غنياً، ويرد ضالاً، ويهدي عاصياً، ويتوب على تائب، ويخلع هذا، ويولي هذا، وينـزع هذا، ويعطي هذا، ويمنع هذا، ويحيي هذا، ويمرض هذا، ويشفي هذا كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29].
ولا يطلق هذا اللفظ على أحد إلا على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وقال القرطبي : الواحد: الوتر، والله يحب الوتر فهو واحد لا ثاني له، ويحب من الأفعال الوتر، ولذلك كانت هيئات الوضوء، أو الغَرفات ثلاثاً، والطواف بالبيبت سبعاً، والسعي سبعاً، وأيام الأسبوع سبعاً، وينتهي النهار بالوتر، وهي صلاة المغرب، والليل بالوتر المعروف، فالله وتر يحب الوتر.
قال: لا شبيه له ولا نظيراً ولا صاحبة ولا ولداً، والله عز وجل يغضب من يسمي له صاحبة، قال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ [المؤمنون:91] وما اتخذ الله من شريك، ولا نديد ولا مثيل يشاركه. فتعالى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى!
ومما يروى من قصص بني إسرائيل وأهل السنة يروون قصص بني إسرائيل: {حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج }.
فقيل: كان بنو إسرائيل إذا غاب موسى اغتابوه وسبوه وشتموه، فإذا حضر هابوه، فدعا موسى ربه وقال: يا رب! أسألك أن تكف ألسنة الخلق عني.
ولذلك يقول الله عز وجل: فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب:69] وقال الله: يا موسى! ما اتخذتُ ذلك لنفسي، إني خلقتُهم، ورزقتهم، وأعافيهم، وأشافيهم ومع ذلك هم يسبونني.
وورد في الصحيح: { كَذَبَنِي ابن آدم } وفي لفظ: {كَذَّبَنِي ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي فيقول: إني لا أعيد الخلق كما بدأتُه، وإعادته عليَّ أهون من بدئه، وأما شتمه إياي فيقول: إن لي صاحبة وولداً، وتعاليتُ وتقدستُ، لا صاحبة لي ولا ولداً }.
وفي بعض الألفاظ: {شتمني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وسبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، أما شتمه إياي فإنه يشتم الدهر، وأنا الدهر، أُقَلِّب الليل والنهار كيف أشاء } والآن الناس يشتمون الدهر، فيسب أحدهم فيقول: فضح الله هذا اليوم وهذا الأسبوع وهذا العام، وفضح الله يوماً عرفتُكَ فيه، ولا بارك الله في زمن لقيتُك فيه، أو صاحبتُك فيه.
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
إن الجديدَين في طول اختلافهما لا يفسدان ولكن يفسد الناسُ
فالليل والنهار لا شيء، ولذلك يقول الشاعر الجاهلي متعتباً على الدهر:
لحا اللهُ هذا الدهر إني وجدته بصيراً بما ساء ابنَ آدم مُوْلَعا
فالدهر لا دخل له، إنما الذي يقلب الليل والنهار هو الله، وهو مسبب الأسباب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ الصَّمَدُ)
الصمد لها معانٍ عند أهل السنة من المفسرين، وغيرهم من اللغويين.
فقيل الصمد: هو الذي تصمد له الكائنات، أي: تحتاج له، وتتلهف له، وتتجه إليه، وتطلبه، من هو المستغني عن الله؟ من هو الآن الذي يعيش أو سوف يعيش وقد استغنى عن الله طرفة عين؟ هل تستطيع الدواب أو العجماوات أو الطيور أو الزواحف أو الملوك أو الكفرة أو التجار أن يستغنوا عن الله طرفة عين؟ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29] يسمع دبيب النمل فيعافي ويشافي، وتُرْفَع إليه الحاجات، فلا يمنعه كفر الكافر أن يرزقه، بل يعافيه، ويعطيه، ويبتليه، ويشافيه، وهو كافر بالله، قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].
قال ابن الجوزي : ذهب بعض الصالحين، فرأى عصفوراً يأتي إلى نخلة فيقع عليها، كل يوم، فتعجب هذا الرجل الصالح، قال: العصفور ليس من عادته أن يعشعش في النخل، العصفور لا يبني عشه في النخل، لكنه يبني في الأرض، أو في الشجر القصير، فتسلق هذا الرجل الصالح إلى رأس النخلة، فوجد حية عمياء، نشبت في رأس النخلة، ليس لها طعام، فإذا احتاجت إلى أكل، أتى هذا العصفور بطعام ولحم، فإذا اقترب منها زقزق، ففتحت فمها، فألقى اللحم في فمها.
فمن الذي دَلَّ؟ ومن الذي عرَّف؟ ومن الذي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50]؟
من الذي عَلَّم النحلة أن تذهب المسافات الشاسعة ثم تعود إلى مكانها، والعاملة تشتغل في بناء هذا البناء، ومنها الآخذة والطاعمة والشاربة.
من الذي عَلَّم النمل أنه سوف يمر فصل شتوي قارس البرد كثير الأمطار، لا تستطيع أن تخرج إلى الحب، فتعد وتحسب حسابها من فصل الصيف، فتدخر الحبوب في مخزونها، فإذا أتى الشتاء لا تخرج النمل، ثلاثة أشهر لا يخرج النمل إلا أحياناً؛ لأن عنده مكنون. وأيضاً لا ينبت الحب في بيوتها كما قاله أهل العلم، وهذا من (مفتاح دار السعادة ) لـابن القيم ، قالوا: لماذا لا ينبت الحب الذي في بيتها؟ فقالوا: تأتي النملة إلى الحبة فتخرقها من وسطها، أو تفلقها فلقتين فتصبح غير قابلة للإنبات، ثم تكدسها، وهذه هندسة علمها الذي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50].
ولذلك سوف أعيد وأكرر كثيراً هاتين المقولتين لموسى، فيقول بعض المفسرين: لله در موسى لَكَمَ فرعون على وجهه؛ لأن فرعون يقول: فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى [طه:49] قال: يا مجرم يا بليد يا حقير! رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] أنت يا فرعون لما ولدتك أمك، من الذي هداك للثدي؟ فالطفل أول يوم يخرج من بطن أمه لا يعرف أحداً إلا أمه، فمن الذي هداه إلى أمه وإلى ثديها؟
ومن معاني الصمد: أي: السيد، أتى سعد بن معاذ على بغلةٍ فلما رآه الأنصار قاموا، قال صلى الله عليه وسلم: {قوموا إلى سيدكم } فقاموا، قيل في الصحيح: أقبل على حمار، وفي (السِّيَر) على بغلة، فأقبل على حمار مُنْكَأ الجراح، وكان عظيماً شديداً، اهتز له عرش الله، وقامت الملائكة بأقطاب العرش، تقول: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].
فلما أقبل، قال صلى الله عليه وسلم: {قوموا إلى سيدكم } والقيام للسادة، إذا كان من باب الحب والاحترام فلا بأس به، أما إذا كان من باب التعظيم كالقيام على رأسه، فلا.
كان بعض الفضلاء جالساً فأتى عالم من العلماء أقبل كالفجر، فقام الأديب، فقال العالم: لا تقم، في القيام نظر، وهو مكروه، فقال الأديب:
قيامي -والإله- إليك حقٌ وترك الحق ما لا يستقيمُ
وهل رجل له لب وعقلٌ يراك تجي إليه ولا يقومُ؟
هل يوجد في الدنيا أحدٌ يراك تقوم مقبلاً إليه، ولا يقوم؟
قال: {قوموا إلى سيدكم } قال ابن عباس : [[السيد الذي كمل في سؤددُه، وعَظُم شرفُه والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كملت عظمته، والحليم الذي كمل في حلمه، والعليم الذي كمل في علمه، والحكيم الذي كمل في حكمته ]].
وقال أحد الشعراء العرب، يمدح بعض السادة العرب، يقول:
ألا بَكَّرَ الناعي بخير بني أسدْ بـعمرو بن مسعود وبالسيد الصمدْ
المعنى: فوجئنا قبل الفجر بالصائحة والنائحة والباكية، تبكي سيدين شريفين: عمرو بن مسعود ، وبالصمد الآخر.
وكانت العرب تمدح الرجل الملك، فتقول: يا صمد! أي: يا مَن يُصْمَد إليه.
وعند أحمد في المسند من حديث المقداد بن الأسود ، أن رسول صلى الله عليه وسلم كان إذا نصب سترة لا يصمد إليها، والحديث فيه: الوليد بن كامل ، وهو ضعيف، وبعضهم يحسِّنه، ولكن الظاهر أنه ضعيف.
والمعنى -على فرض صحة الحديث- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يصمد للسترة صمداً، بل كان يجعلها على حاجبه الأيسر، أو حاجبه الأيمن.
فالذي يُصمد إليه هو الله.
والصمد له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على نوعين:
الأول: صمود خاص.
الثاني: صمود عام.
الصمود الخاص: صمود المؤمنين له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الضراء والسراء.
الصمود العام: صمود الكائنات فلا يستغني عن الله أحد.
قالوا للإمام مالك : ما دليل القدرة؟ والظاهر -والله أعلم- أن القائل هو هارون الرشيد -كما ذكر ذلك ابن كثير في التفسير- في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].
فقال هارون الرشيد لـمالك : ما دليل القدرة يا مالك ؟ قال: اختلاف اللهجات، وتعدد النغمات في شتى الحاجات أمام الواحد الأحد.
أما ترى الناس يوم عرفة يَتَكَلَّمون بأكثر من أربعمائة لغة على صعيد عرفة يتكلمون في ساعة واحدة إلى الحي القيوم، إلى من على العرش استوى، فيفهم لغاتهم، ويجيب طلباتهم، ولا يعييه سؤال عن سؤال، ولا إجابة عن إجابة، هذا يتكلم بالعربي، وهذا يتكلم بالإنجليزي، وهذا بالفرنسي، وهذا بالباشتو، وهذا بالأوردو، وهذا بالفارسي، وهذا بالأطلسي، وهذا بلغة عالمية، وهذا بمحلية، ومع ذلك كلهم يريدون الخير، ويصمدون إليه، فيجيبهم وهم في صعيد واحد.
أليس هو الصمد سبحانه؟! بلى.
وقال الحسن وقتادة : [[الصمد: هو الباقي بعد خلقه ]].
الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:40].
ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27].
ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88].
فلا يموت سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
ولذلك يأمر عباده وأولياءه أن يتوكلوا عليه: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58]؛ لأن غيره يموت. تريد أن تتوكل على الذي يموت؟ لا. توكل على الذي لا يموت سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
وقال الحسن : [[الحي القيوم: الذي لا زوال له ]] فلا يزول ولا يحول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
يقول أحد الصالحين: سبحانك يا من لا يزول ولا يحول! سبحانك يا من يغير ولا يتغير! أي: يغير غيره ولا يتغير.
الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول لأعدائه وهو يُبَكِّتُهم وقد سكنوا في القصور: وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ [إبراهيم:45].
فهو يغير ولا يتغير، تعالى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
وقال الربيع بن أنس : [[هو الذي لم يلد ولم يولد ]] فجعل تفسير الصمد الآية التي بعدها، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد السابع من الفتاوى : قيل لبعض العلماء: ما دليل قدرة الله؟ قال: دليل قدرة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نَقْضُ الهمم، وإماتة العزائم.
من الذي ينْقُضُ هِمَّتَك؟ إنه الله، تهم بالشيء، وتجزم أن تفعله، وتقسم أن تفعله ثم ينقض همتك، ويشتت عزيمتك.
وقيل للإمام أحمد كما في تفسير ابن كثير : ما دليل القدرة؟ قال: بيضة الدجاجة، أما سطحها ففضة بيضاء، وأما باطنها فذهب إبريز، تفقس، فيخرج منها حيوان سميع بصير، ألا يدل على السميع البصير؟ بلى. وللعلماء عن القدرة كلام، ففيها أمور عظيمة لا يَفِي المقام ببسطها، وليس هناك مجال لعرضها.
وقال عكرمة : يقول ابن عباس : [[الصمد هو الذي لا جوف له ]].
فتَصْمُد له الكائنات، وتسأله المخلوقات، بشتى اللغات، وبتنوع الحاجات، على مر الأوقات، والأزمان في الأرض والسماوات. فلا يعييه شيءٌ عن شيء.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة بعد إيراد كثير من هذه الأقوال: إن الصمد هو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم الظاهرة والباطنة، وإذا أمرٌ لم يسهله الله عز وجل لم يتسهل.
يقول الشاعر:
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
فالاجتهاد مع عدم التوفيق لا خير فيه ولا فلاح، والخيبة والخسران من نصيبه.
قالوا: الصمد: أي: الذي انتهى سؤدده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وعظُم.
وقيل: الصمد: الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب، وقد اختاره البيهقي مع بعض العلماء.
تفسير (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)
أما قوله: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3] ففيه قضايا:
من هذه القضايا ما يلي:
القضية الأولى: لا والد لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولا ولد، وليس له صاحبة.
واليهود قالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30].
والنصارى قالوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30].
والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله، فنفى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنه الولد والوالد.
قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة:30].
القضية الثانية: لماذا بدأ فقال: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3] فبدأ بالولد، مع أن الوالد أهم؟
قالوا: لأنه لم يُقَل أحد: إن الله له والد، لم يُقَل هذا، أو لم ينتشر ولم يشتهر، وليس هناك ملة أو نحلة تقول: إن الله له والد؛ لكن اليهود يقولون: إن لله ولداً، والنصارى يقولون: إن لله ولداً، ومشركو العرب يقولون: أن لله ولداً.
ومشركو العرب وجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ [الزخرف:19].
والمعنى: أشهدوا خلقهم؟! هل حضروا؟ هل رأوا تركيبهم؟
وأما النصارى فقالوا: عيسى ابن الله لعنهم الله.
وقال اليهود: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30].
فرد الله عليهم بنفي الولد أولاً، ثم أتى بالوالد، وإلا فالوالد أهم.
قال: (لَمْ يَلِدْ) فلم يلد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كما ولدت مريم.
(وَلَمْ يُولَدْ) كما وُلِدَ عيسى، وعزير، وقد رد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على النصارى، واليهود، ومشركي العرب في هذه القضية التي أتوا بها.
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً [مريم:88]: وهذا القول، ذنبٌ كبير، وليس هناك ذنب أكبر منه.
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً *وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:88-95]
وهذا رد على هذه المقالة الفاجرة الخائنة، وعلى أصحابها، حسيبنا الله عليهم.
تفسير قوله تعالى: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً )
والكفو: هو المثيل، والشبيه، والنديد.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً [الإخلاص:4] أي لم يكافئه أحد، يقال: فلان كافأ فلاناً، أي: شابهه ونادَّه وأصبح مثيلاً له.
فالله لا مثيل له لا في أسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، ولا في جزئية من جزئيات صفاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا كفء له أحد، أي: لا يوجد أحد.
وقرئت: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2]: قرئت: على التنوين وصلاً وعلى الضم قطعاً، بتفخيم لفظ الجلالة اللَّهُ الثانية، وقرئت وصلاًَ بترقيقها.
وقرئت وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحد [الإخلاص:4] من غير همزة (كُفُواً) على واو، وقرئت: بهمزة (كُفُؤاً) على الواو، وقرئت: (كِِفُواً) بكسر الكاف، قرأها بعضهم وهي قراءة غريبة، والمشهور: (كُفُواً) من غير همزة، أو (كُفُؤاً) بالهمزة.
تفسير قوله تعالى: (أحد)
(أحدٌ)
أي: ليس له هناك نديد، ولا شبيه، ولا مثيل.
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ [الصافات:158].
قال المفسرون: أي مُحْضَرون للحساب، ولو كان بينهم وبين الله نسب ما أحضرهم ولا حاسبهم، مثلما قالت اليهود والنصارى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة:18].
منقول للافادة ......... | |
|
wa3d المشرفة العامه
عدد المساهمات : 460 تاريخ الميلاد : 21/03/1980 تاريخ التسجيل : 16/08/2010 العمر : 44 الموقع : https://3asfora.yoo7.com العمل : محامية
| موضوع: رد: تفسير سورة الاخلاص الخميس 2 سبتمبر 2010 - 19:04 | |
| | |
|
TEVEZ مشرف العام
عدد المساهمات : 364 تاريخ الميلاد : 30/09/1991 تاريخ التسجيل : 27/08/2010 العمر : 33 الموقع : قلب كل من يحبني العمل : حاسب
| موضوع: رد: تفسير سورة الاخلاص الجمعة 3 سبتمبر 2010 - 12:17 | |
| - wa3d كتب:
- جزاك الله خير
شكرا وعد على مرورك الغالي | |
|
ايام الحب العذاب مشرف
عدد المساهمات : 259 تاريخ الميلاد : 09/04/1984 تاريخ التسجيل : 16/08/2010 العمر : 40
| موضوع: رد: تفسير سورة الاخلاص الثلاثاء 21 سبتمبر 2010 - 9:50 | |
| | |
|
hamdi مشرف العام
عدد المساهمات : 127 تاريخ الميلاد : 29/11/1988 تاريخ التسجيل : 16/10/2010 العمر : 35 الموقع : 3asfora.yoo7.com
| موضوع: رد: تفسير سورة الاخلاص الخميس 21 أكتوبر 2010 - 15:31 | |
| | |
|
بطل من ورق عضو جديد
عدد المساهمات : 20 تاريخ التسجيل : 11/08/2010
| موضوع: رد: تفسير سورة الاخلاص الجمعة 19 نوفمبر 2010 - 15:31 | |
| | |
|
عصفورة حرة المديرة العامة
عدد المساهمات : 563 تاريخ الميلاد : 18/11/1981 تاريخ التسجيل : 31/07/2010 العمر : 43 الموقع : 3asfora.yoo7
| |
TEVEZ مشرف العام
عدد المساهمات : 364 تاريخ الميلاد : 30/09/1991 تاريخ التسجيل : 27/08/2010 العمر : 33 الموقع : قلب كل من يحبني العمل : حاسب
| موضوع: رد: تفسير سورة الاخلاص الجمعة 1 أبريل 2011 - 16:44 | |
| - عصفورة حرة كتب:
-
كل الشكر والتقدير وخالص الود لك مني
دمت في تألق مستمر كما عهدناك
تقبل مروري شكرر لمرورك الكريم | |
|